جاء في المذكرة الإيضاحية لمشروع تنقيح القانون المدني المصري في شأن البينة أنه " ليس يقتصر الأمر في توجيه تقييد الإثبات بالبينة على خطر إغراء الشهود والإدلاء بالشهادة زوراً بل هو يجاوز ذلك بوجه خاص إلى ما يقع من أخطاء الشهود بسبب ما قد يعوزهم من دقة الملاحظة أو قوة الذاكرة ، فضلاً عن ندرة احتمال وجودهم إذا كان العهد قد تقادم على الوقائع والواقع أن تحريف الشهادة أو تلفيقها لا يعتبر أهم خطر يعرض بشأن الإثبات بالبينة ، وإنما يتمثل هذا الخطر في انتفاء ضمانات فعلية لا حيلة للقانون فيها .
وقد استقرت أحدث الدراسات النفسية كما أسفرت تجارب القضاء عن تناقض أقوال من يسمعون من الشهود في يوم وقوع الحادث ، مع القطع بتوافر حسن النية فيهم ، فأي ضمان يكفل صحة الشهادة ودقتها إذا سمع الشهود بعد ذلك بعشر سنوات أو أكثر ، وأني لذي الشأن بقاء الشهود على قيد الحياة وإلمامهم بمصائرهم إذ قدر إجراء التحقيق بعد زمن طويل ؟ .
والحق أن ما يعد ذوي الشأن من المحررات عند إنشاء التصرف القانوني كفيل بتحامي هذه الأخطار جميعاً ، فإذا قرن ذلك بشيوع انعقاد التصرف بالكتابة وتأصل الاطمئنان إليها في تقاليد العمل التشريعي ، ظهر وجه الإبقاء على تقييد الإثبات بالبينة وإيثار الكتابة عليها
مجموعة الأعمال التحضيرية ج3/395
من التطبيقات
إذا طالب المدعى عليه بثمن بضاعة قال إنه وردها إليه بناءاً على تعاقد شفوي تم بينهما ، مستنداً في ذلك إلى وصولات توريد صادرة إليه من المدعى عليه ، و دفع المدعى عليه الدعوى بأن البضاعة التي وردت إليه إنما كانت لحساب أخو المدعى و من زراعة هذا الأخ تنفيذاً لعقد مبرم بينه و بين المدعى عليه ضمن فيه المدعى أخاه في التوريد متضامناً معه فيه ، و رفضت المحكمة الدعوى بناءاً على أن وصولات التوريد و إن كانت صادرة باسم المدعى فإنها لا تشير إلى تعلقها بزراعته الخاصة و لا إلى التعاقد الذي أدعاه فهي لا تصلح دليلاً كتابياً كاملاً على التعاقد المدعى ، و أنها إن اعتبرت مبدأ ثبوت بالكتابة فإن المدعى لم يطلب تكملته بالبينة ، ثم أوردت المحكمة قرائن عدة اعتبرتها نافية للدعوى ، فلا وجه للنعي على حكمها ، لا من حيث إنه نفى الدعوى بقرائن ، و لا من حيث إن هذه القرائن غير مؤدية إلى النفي ، لأنه بحسب الحكم أنه أعتبر المدعى عاجزاً عن إثبات دعواه فهذا وحده كاف لحمله بغض النظر عن القرائن التي ساقها .
( الطعن رقم 146 لسنة 15 ق ، جلسة 1947/1/16 )
ما دام الحكم قد أجاز الإثبات بالبينة لوجود المانع الأدبي من الحصول على دليل كتابي فلا يجدي النعي عليه بأنه قد قبل إثبات التخالص من الدين المطالب به مجزئا أجزاء يقل كل منها عن عشرة جنيهات احتيالا على القاعدة الأصلية في الإثبات ، لأنه لا يضر الحكم أن يكون قد تضمن أسباباً قانونية غير سليمة متى كان فيه من الأسباب الأخرى ما يبرر قضاءه .
( الطعن رقم 116 لسنة 13 ق ، جلسة 1944/6/1 )
مع تحيات الأستاذ محمد سالم للاستشارات القانونية
19ب عمارات العبور - صلاح سالم - القاهرة